الملواني المدير العام
عدد الرسائل : 2971 البلد : كفر الدوار الوظيفه : المدير العام السٌّمعَة : 7 تاريخ التسجيل : 13/09/2008
| موضوع: نظرة جديدة: شرف حفاظ القرآن الكريم (لا تفوتنكم) الأحد أكتوبر 10, 2010 8:28 pm | |
| شرف حفاظ القرآن الكريم لحفاظ القرآن خصوصية عظيمة وشرف كبير، يزيد على شرف المؤمنين بإيمانهم مجرداً، وذلك لما يصحب الحفاظَ من معية الله الخاصة لهم، وكونهم مناط مراد الله بحفظ كتابه، فبهم يُحفظُ الكتاب: ينقلُ بأدق صوتياته وأرهف تفاصيله عبر القرون الطويلة المتعاقبة لا يُبَدَّلُ ولا يتغير منه صوت ولا ضبطٌ ولا شكلٌ ولاحرف، يتحمله الآخِرون عن الأولين، إلى أن يرث الله ربنا الأرض ومن عليها.
ولبيان هذه الخصوصية العالية ينبغي معرفة ما لله جل وعلا في خلقه من الإرادة، وهما إرادتان: إرادة كونية، وإرادة شرعية.
أما الكونية: فهي ما أراد الله لكونه الواسع أن يكون عليه، وهذه التي لا سلطان لأحد عليها إلا الله، ولا يخرج من فلكها أحدٌ إلا بإذنه مُسَيَّرِينَ فيها غيرَ مخيَّرين. ويدخل فيها تسيير الأفلاك دون اضطراب على قوانين الفلك المستنبطة، وقيام الحياة على الماء، وحصول الرزق للخلق، وهذه الإرادة يدخل فيها الجماد والحيوان والنبات والإنسان والجن والملائكة والخلق جميعاً، فلا يتميز أحدهم عن الآخر بأن يخضع لها بعضهم ويمرق منها آخرون.
أما الإرادة الشرعية: فهي ما أراد الله لخلقه المكلفين أن يكونوا عليه، وفيها اصطفاءٌ للإنسان بحمل الأمانة والتكليف دون سائر المخلوقات، وهنا يتميز الإنسان عن غيره بما أعطي من العقل. فمن سار من المكلفينَ مع الإرادة الشرعية محققاً مراد الله منه برعاية أوامره ومحبوباته والتنحي عن مساخطه ومنهياته؛ سبح في فلك المخلوقات الطائعة التي لا تناهض إرادة الله الكونية.
فلما جاء الفاسق وعصى وتجبر على إرادة خالقه الشرعية، خرق في نظام الكون خرقاً خالف به سنة الله ونواميس كونه، فاضطرب الكون لخروج الكافر على النظام والسنن الدقيق الذي ضبطه عليه خالقه، فكان عقاب الله له أليما على هذا الإفساد في نظام الكون.
والكافر حين يخرج على نظام الكون بمخالفته لإرادة الله الشرعية يخرج من دائرة الاصطفاء التي بها استحق الإنسان التميز والجزاء العظيم في جنات الخلود، ليصير شقاؤه بذلك مُضاعفاً، فمن بابٍ يرى التعاسةَ في نفسِهِ والضيقَ بما حولَهُ لما أفسدَ من نظامِ الكونِ المنسجمِ بالسيرِ خاضعاً لإرادةِ اللهِ الكونية، ومن بابٍ آخرَ يفقدُ ذلك التميز والاصطفاء بالسير طائعاً في ظل إرادة الله الشرعية، فيعودُ بذلكَ أخسَّ منَ الجمادِ والحيوانِ الذي ما زال يسيرُ وِفْقَ إرادة الله الكونية لم يتخلف عنها ولم يعترض عليها، بينما تنكب هو إرادة الله التي كلف بالسير في ظلها، ولهذا تدعوا البهائم على عصاة بني آدم تقولُ: بسببهم مُنِعنا القَطْرَ أي المَطَر.
وفي دائرة المؤمنين السالكين في ظل إرادة الله الشرعية: يشردُ بعض السائرين عن فلك الإرادة فيكون إفسادهم في الكون بحسب شرودهم وتنكبهم لإرادة الله، ولا يخرجون من دائرة الإيمان حتى يكون مجموع سيرهم في النهاية مخالفاً لصراط الله وإرادته الشرعية تماماً، فيكون فسادهم في الكون عظيماً، فيستحقون العذاب الأليم من الله، عياذاً بالله أن نكون منهم.
وبهاتين الإرادتينِ يُفَسَّرُ كفر الكافر، فإنَّ لِسائلٍ أن يسأل: إن كان الله يريد منا أن نؤمن، أفليس كفر الكافر خروجاً على إرادة الله تعالى؟ فيقالُ: إنَّ كُفرَ الكافرِ خروجٌ على إرادة الله الشرعية إلى إرادة الله الكونية، وإرادة الله الكونية أوسع، وهي فوق علمنا نحن المخلوقين، فكفر الكافر وإن كان مخالفاً لإرادة الله الشرعية فهو من مُرَادِ اللهِ كَوناً لحكمةٍ يعلمُهَا جل وعلا، لكن قد نُدرِجُ كفر الكافر تحت سنة التدافع الكونية، وأن بضدها تتميز الأشياء، فلولا الكفر ما عُرِفَ الإيمان، ولولا قتل الكافر للمؤمن ما كانت الشهادة! فخروج الكافر على إرادة الله الشرعية إنما هو كمن يفر من قدرٍ إلى قدر، فهو يخرج من دائرةٍ ضيقةٍ قليلٍ أهلُها، إلى دائرةٍ رحيبة واسعة تشمل الخلق أجمعين، بل الكونَ بِجُمَعِه! فأين يفر من هرب من الله، إما إلى الله أو إلى عذاب الله، عياذاً به جل وعلا من عذابه ووبيل عقابه.
ولله جل وعلا إرادة خاصة تجمع إرادة كونية وشرعية معاً، جعلَ أهلَ السيرِ في فلكها والانضواءِ تحتَ لوائِها خاصَّتَهُ وأهلهُ جل وعلا، فقد تكفل بحفظ كتابه الكريم حفظاً مطلقاً، أدرِج تحته ما شئت من حفظ، وهذه إرادة كونية، فلا يقوم على تخلفها أحدٌ من خلق الله حتى يُرفَعَ القرآن الكريمُ آخر الزمان، وانظر اليومَ وأمسِ إلى ما دبجته قرائح أعداء الله وما افترته ألسنتهم وما اقترفته أيديهم من فاشل محاولاتهم للتعدي على حفظِ اللهِ كتابَهُ الكريمَ فلا يعدوا جُهدُهُم أبداً أبداً أن يكون نقشاً على صفحةِ بحرٍ أو هباءً منثوراً!
ثم أراد الله من السائرين ضمن إرادته الشرعية أن يحفظوا كتابه ويتوارثوه، وبدأ بحبيبه - بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام - فأورثه كتابه الكريم، وضَمَّنَهُ صدرَهُ عليه الصلاة والسلام، وأمره أن يورثه أصحابه وأمته من بعده، يأخذه الآخر عن الأول كما أخذه عن جبريلَ عليه السلامُ محمدٌ صلى الله عليه وسلم، فأخْذُ المؤمنينَ للقرآنِ الكريمِ وتَحَمُّلَهُ وحفظَهُ إرادة شرعية، ندبنا إليها الشارع الحكيم.
وهكذا اصطُفِيَ المؤمنون من بين الثقلين بالسير وفق الإرادة الشرعية، ولا يمكن لغيرهم أن يلحقه الاصطفاء إلا باندراجه معهم في الإيمان، ثم اصطُفِيَ أهلُ القرآنِ بنوعٍ خاصٍّ من الإرادة الشرعية لا يندرج معهم فيه إلا من حفظ كلام الله، اصطفاءاً على اصطفاءٍ، وذاكَ المُكَرَّمُ من بين سائرِ المؤمنينَ بهذهِ الإرادةِ الخاصةِ العظيمةِ، ومِنْ هنا تأهل أن يكون من خَاصَّةِ الرحمنِ جل وعلا، واستحق أن يكون من أهله تعالى كما في الحديث.
فانظر إلى حامل القرآن الكريم الذي يتلوه حق تلاوته وهو يسير في الأرض مسبحاً مع الطيور والجمادات من حوله في انسجامٍ بديعٍ تُحِسُّهُ رُوْحُهُ وتَزْعُمُ أذُنُهُ أنْ سَمِعَتْ، تَحُفُّهُ في سيره إرادةٌ كونيةٌ وشرعيةٌ وإرادةٌ ثالثةٌ خاصةٌ، غدا هو مَنَاطَهَا، وتَفَرَّدَ حتى بينَ المؤمنينَ بالسيرِ في ظلها، فاستحق أهلية الله ومعيته، ولا عجب فكلام الله صفة من صفاته، ومن حفظ كلام الله فيا سعده ويا هناه، إنما يصطحب صفة الله في حلِّهِ وتَرْحَالِهِ، فأكرِم بها صُحْبَةً وتِصْحَابَا!
ثم تعال معي إلى نكتة أخرى أولى مما قبلها بالتأمل والادِّكار، وأجدر من غيرها بالنظر والاعتبار، وهي أن بعض حَمَلَةِ القرآن الكريم وحفاظِهِ يحفظونه في صدورهم ويضيعونه في جوارحهم، فإذا ساروا فبهواهم، وإذا نطقوا فعن شياطينهم، وإن ناموا فرهقاً وكللاً، يزعمون أنهم بالقرآنِ والقرآنُ منهم براء، فهؤلاء بحسبهم، كالمؤمن العاصي في زمرة المؤمنين، قد انتقص من اصطفائه بقدر ما انتقص من إيمانه، وهؤلاء ينتقص أحدهم من اصطفائه بقدر ما يتنكب من القرآن الكريم، حتى يغدو أحدهم أخس من الحمار "يحمل أسفاراً"، فبئس المثلُ وبئس الحامل، عياذاً بالله تعالى.
| |
|