الملواني المدير العام
عدد الرسائل : 2971 البلد : كفر الدوار الوظيفه : المدير العام السٌّمعَة : 7 تاريخ التسجيل : 13/09/2008
| موضوع: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ الأحد أكتوبر 10, 2010 8:19 pm | |
| إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ 1-رمضان-1431هـ 10-أغسطس-2010 كتبه/ ياسر برهامي الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فإن من أعظم عبادات القلب التي لا يتحقق إيمان العبد إلا بوجودها في قلبه عبادة الخوف من الله -سبحانه وتعالى-، وعدم الخوف ممن سواه، كما أمر الله -سبحانه وتعالى- بذلك معلِّقًا الإيمان على وجود ذلك، قال الله -عز وجل-: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ . فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ . إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (آل عمران:173-175). قوله تعالى: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ): فقوله -تعالى-: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ)، قال ابن كثير -رحمه الله-: "أي: يخوفكم أولياءه، ويوهمكم أنهم ذوو بأس وذوو شدة" "تفسير ابن كثير 2/172"، و(أَوْلِيَاءَهُ) مفعول به ثانٍ، والمفعول به الأول محذوف تقديره "إياكم" دل عليه السياق. فهذه الآية الكريمة تبين النهي عن الخوف ممن سوى الله -عز وجل-، ووجوب الخوف من الله -سبحانه وتعالى- وحده، وتعلُّق الإيمان على وجود الخوف من الله؛ قال -تعالى-: (وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)، فدل ذلك على أن من لم يخف الله -سبحانه وتعالى- فليس بمؤمن، وهذا الإيمان ينتفي بالكلية عند انتفاء الخوف بالكلية، ويضعف مع ضعفه، ويقوى مع قوته. وإذا اكتمل الخوف من الله -عز وجل- في قلب العبد زال من قلبه كل خوف آخر؛ وذلك أن الله -عز وجل- جعل الأمن لمن آمن بالله، كما قال -عز وجل- على لسان إبراهيم -عليه السلام-: (وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ . الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (الأنعام:81-82)، فمن خاف اللهَ أمَّنه اللهُ -عز وجل- ممن سواه، وهذا أمر مُضطرد متلازم في القلب، فكلما ازداد الخوف من الله -عز وجل- وعظم في قلب العبد كلما زال منه الخوف ممن سواه، ولذا يكون مع هذا الخوف سعادة وسرور، مع كونه يُزعِج الإنسان ويخوِّفه من موقفه بين يدي الله -عز وجل- غدًا، إلا أنه لا يزول معه الرجاء، ولا يزال معه الحب، فيظل العبد يحقق أنواع العبادة كلها لله -سبحانه وتعالى-، وهذا أمر عجيب لا يحصل مع أي خوف آخر؛ إذ كل خوف غير خوف الله -عز وجل- يجعل الإنسان شقيًّا تعيسًا مضطربًا قلقًا، لا يستقر له حال، ولا يستطيع أن يمارس حياته بطريقة معتادة، وكلما ازداد الخوف من غير الله -عز وجل- في قلب عبد كلما شقي وتعس، والعياذ بالله. وأما الخوف من الله -سبحانه وتعالى- فيجعله في أمن تام من كل من سواه -سبحانه وتعالى-، فيصغر الخلق في عينيه وفى قلبه، ولا يرى لهم أثرًا في هذا الوجود، ويرى أنهم مجرد أسباب، الله -سبحانه وتعالى- مالكها وخالقها، وهو الذي يدبر الأمر كله، ولذا لا يعبأ بما في أيديهم من أسباب، ويرى أنه -عز وجل- قد قدَّر أن تكون بأيديهم، وهو الذي قدَّر أن يخوِّف الشيطان المؤمن بهذه الأسباب امتحانًا له، فعند ذلك يوقن أن الأمر من الله -سبحانه وتعالى-، فيجتمع في قلبه الخوف والحب والرجاء؛ لأن الخوف من الله -سبحانه وتعالى- ـ كما ذكرنا ـ لا يزول معه الرجاء، ولا يزال معه الحب، فيظل الإنسان في كل عبادة يؤديها من العبادات يتنقل بين هذه الأجنحة الثلاثة للعبادة، ولذلك تقبل عبادته، وأما من لم يخف اللهَ -سبحانه وتعالى- فهذا لا يقبل له عمل؛ لأنه ليس بمؤمن، كما دل عليه مفهوم الآية: (وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ). والله -عز وجل- يبتلي عباده المؤمنين بأن يجعل لأولياء الشيطان من الكفار زينةً وأموالاً في الحياة الدنيا، ويمكِّنُهم من إرهاب الناس وتخويفهم؛ امتحانًا لعباده المؤمنين، وهذه الأسباب قد تكون سببًا في خوف أهل الإيمان منهم، وهذا الخوف وإن كان في أصله خوفًا طبيعيًّا؛ إلا أنه يزول بالتوكل على الله -عز وجل-، كما دلت عليه آيات سورة آل عمران، قال -تعالى-: (الَّذينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (آل عمران:173). إن مواقف الشدة التي يكثر فيها الخوف عند عامة الناس هي مواطن زيادة الإيمان عند أهل الإيمان؛ لأن هذا الخوف يجرُّهم إلى التفكر بطريقة إيمانية، فهم يفكرون بطريقة تختلف عن طريقة الناس، فالناس حينما يرون الأسباب يقولون: "اخشوا هؤلاء!"؛ لأن قلوبهم متعلقة بالأرض وبالأسباب التي فيها، وأما أهل الإيمان فإنهم يرتفعون عن هذه الأرض ومن فيها ومن عليها، ويؤمنون أن القوة لله جميعًا، وأن الله شديد العذاب، فإذا ارتفعوا عن الأرض ـ وهم إنما يرتفعون بآيات الله ـ فرأوا ما بأيدي الناس شيئًا لا يُذكر ولا يُعد، وأن الأمر من عند الله -عز وجل-، يدبر الأمر من السماء إلى الأرض؛ فعند ذلك يعظم توكلهم على الله -سبحانه وتعالى-، فيزدادون إيمانًا، قال -تعالى-: (فَزَادَهُمْ إِيمَانًا). لذلك كان من أعظم أسباب زيادة الإيمان عند الصحابة استجابتهم للنبي -صلى الله عليه وسلم- عندما دعاهم إلى الخروج إلى حمراء الأسد للقاء المشركين بعد هزيمة أُحد، مع ما بهم من جراح، وألم فراق أصحابهم، وقتل إخوانهم، وجرح نبيهم -صلى الله عليه وسلم-، وفرار بعضهم، فآلامهم عديدة، ومع ذلك استجابوا، (الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ . الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ). فقولهم: (حَسْبُنَا اللَّهُ) أي: كافينا الله، (وَنِعْمَ الْوَكِيلُ): نِعم من نتوكل عليه، ونِعم من توكل الأمور إليه، ونِعم من تُفوض الأمور إليه، فالله -عز وجل- يكفينا عدونا ويكفينا ما أهمَّنا. (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ)، وألقى الله -عز وجل- في قلوب أعدائهم الخوف والرعب، وانصرفوا دون تحقيق غرضهم، قال: (فَانْقَلَبُوا) أي: المؤمنون (بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ) لما استجابوا للنبي -صلى الله عليه وسلم- عندما أمرهم أن يخرجوا، وهذا لما بلغهم أن أبا سفيان عزم أن يرجع إلى المدينة ليستأصل من بقي بها من المؤمنين، فندبهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الخروج، فخرجوا على ما بهم من الجراح والألم وقَتل مَن قُتل منهم وقلة العدد بالنسبة إلى عدوهم، فكانت غزوة حمراء الأسد، تلك غزوة مباركة ازدادوا فيها إيمانًا، (فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ . فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ . إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ). و(إِنَّمَا) أسلوب قصر، أي: ليس ذلك إلا من الشيطان، فهذا من كسب الشيطان وفعله، وهذا الكسب لا يملك أن يَضرَّ به المؤمنين إذا صبروا واتقوا، قال -تعالى-: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ)، فهذا نهي عن الخوف من غير الله -عز وجل- ولو كان خوفًا طبيعيًّا، فدلَّ ذلك على أن استمرار هذا الخوف واستقراره في القلب لا يجوز؛ لأنه منهي عنه، وإن وقع في القلب ابتداء لآحاد المؤمنين بل للأنبياء والمرسلين، كما قال -عز وجل- عن موسى وهارون -عليهما السلام-: (قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى . قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) (طه:45-46)، فنهاهما عن الخوف، و(قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا)، وبيَّن لهما طريق التخلص من هذا الخوف، وهو استحضار معية الله -عز وجل-. ومن استحضر معية الله -عز وجل- ارتفعت نفسه وارتفعت روحه عن الأرض، فرآها صغيرة هي ومن عليها، فزال عنه الخوف من الناس، ورآهم يلعبون، لا يزيدون على اللعب، فهذه الحياة الدنيا لهو ولعب، وهم مثل أطفال بأيديهم أشياء يلعبون بها ولا يملكون قوة حقيقية، وعند المقارنة فعلاً تجد الأمر كذلك؛ قارن بين قوة البشر مجتمعة بأسلحتهم وعتادهم وقطعة صغيرة من الشمس أو قطعة صغيرة من مذنبات وكويكبات لو أنها اصطدمت بالأرض لدمَّرتها، قارن بين ما بأيديهم والقوة المودعة في البحار، فتجد في البحيرة الصغيرة قوة مائية هائلة لو أنها خرجت على الناس لدمرتهم تدميرًا، وكذلك القوة المودعة في الرياح قوة هائلة فعلاً تدمر كل شيء، فالبشر لا يملكون شيئًا في الحقيقة، بل هم صغار جدًّا ضعفاء لا أثر لهم، فعند ذلك يزداد المؤمن إيمانًا، (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ)، لذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا خاف قومًا قال: (اللَّهُمَّ إِنَّا نَجْعَلُكَ فِي نُحُورِهِمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني)، فهو يلجأ إلى الله ويدرأ به في نحور الظالمين والمجرمين والكافرين. لذلك نقول أن هذا الخوف قد يقع ابتداءً في قلبك، أو في قلب الولي، بل في قلب النبي، قال موسى وهارون -عليهما السلام-: (إِنَّنَا نَخَافُ)، وفي الحديث السابق ذِكره أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا خاف قومًا دعا، فهذا أمر طبيعي فطري، لكنه لا يستقر ولا يستمر في القلب، بل يزول بكمال التوكل على الله -سبحانه وتعالى-، ووجوده ابتداءً في القلب لا يضر، ولكنه يضر إذا استمر، وقد يستمر إلى درجات خطيرة، فيقع الناس أحيانًا في المحرمات، وأحيانًا يقعون في الكفر بسبب هذا الخوف، كما سيأتي بيانه. (فَلا تَخَافُوهُمْ) فالله نهى عنه، (وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)، فهذا يدل على وجوب الخوف من الله -عز وجل-، وأنه شرط في الإيمان، أو في الحقيقة ركن فيه إن استعملنا الاصطلاح المتأخر في التفرقة بين الشرط والركن، ولكن على التوسع في معنى كلمة الشرطية فنقول: شرط في صحة الإيمان، فأصله شرط في أصل الإيمان، وكمالُه شرط في كمالِه: الواجب في الواجب، والمستحب في المستحب. فالناس يتفاوتون في خوفهم من الله -عز وجل-؛ فمنهم من خوفه يمنعه من فعل الحرام، ومنهم من يمنعه من فعل المكروه، ومنهم من يجعله يؤدي الواجب، ومنهم من يبكي خوفًا من الله -عز وجل- كلما ذكر أمر الآخرة أو ذكر عقاب الله -عز وجل- فيدفعه ذلك الخوف إلى فعل المستحبات التي يقدر عليها، ولا شك أن هذا خوف أكمل من خوف الذي يترك المحرم ويفعل الواجب فقط، كما أنه أكمل من خوف الذي يقع في المعصية ولكنه يخاف الله -عز وجل- ويخاف أن يكفر ويخاف عقوبة الخلود في النار، وإن كان لم يستحضر في قلبه شدة العقوبة على المعاصي، فلذلك أقدم عليها، أما الذي يقول: "لا أخاف الله" أو "لا أخاف القيامة" فليس بمؤمن أصلاً. وصلِّ اللهم وسلِّم على محمد وآله وصحبه أجمعين.
| |
|