طيف الزمن عضو متألق
عدد الرسائل : 95 العمر : 40 البلد : تونس الوظيفه : سوسه المزاج : معتدل السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 06/04/2010
| موضوع: حكام يشجعون القراءات – 1 - 2 (المنصور سكوت البرغواطي، وابنه الحاجب العز) الأربعاء أكتوبر 13, 2010 6:26 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد.
المنصور سكوت (وتسميه المصادر أيضا: سقوت وسقوط وسواجات) بن محمد البرغواطي: كان مولى للحموديين الحسنيين الذين ملكوا سبتة في عصر ملوك الطوائف في القرن الخامس بالأندلس، في أثناء الفوضى التي ضربت أطنابها بالأندلس بعد سقوط الدولة الأموية، والتي عبر عنها لسان الدين بن الخطيب بقوله: حتى إذا سلك الخلافة انتثر=وذهب العين جميعا والأثر قام بكل بقعة مليك=وصاح فوق كل غصن ديك في أثناء هذه الفوضى استولى المنصور سكوت البرغواطي على مدينتي سبتة وطنجة المغربيتين المطلتين على الأندلس، سنة: 453هـ، واستبد بأمر تلك المنطقة وتلقب بـ"المنصور"، وحكمها هو وابنه العز الملقب بـ"الحاجب"، حتى لقيا مصرعهما أثناء فتح المرابطين لسبتة وطنجة، سنة: 476هـ، بعد أن بلغ المنصور سكوت نحو التسعين من العمر. وقد اشتهر المنصور سكوت بالشجاعة والقوة والحزم والفضل والكرم، واشتهر أيضا بتشجيع العلوم والآداب، مع أنه كان أميا!! فمدحه الشعراء، وعاش في كنفه العلماء. وقد كان له اهتمام خاص بالقرآن الكريم، تعبر عنه تلك الحادثة الغريبة التي تمكن من خلالها مقارنته بمعاصريه من ملوك الطوائف بالأندلس: فقد وصلت إلى أبي الوليد بن جهور حاكم قرطبة ثلاثة كتب في يوم واحد كلها من ملوك الطوائف: واحد من هذه الكتب من المعتصم بن صمادح حاكم المرية - وكان أديبا عالما - وقد كتب إلى ابن جهور يطلب جارية عوادة!! وواحد من هذه الكتب من المعتمد بن عباد - وكان أديبا عالما أيضا - وقد كتب إلى ابن جهور يطلب جارية زامرة!! وواحد من هذه الكتب من المنصور سكوت - وكان أميا - وقد كتب إلى ابن جهور يطلب قارئا يقرأ القرآن!! فوجه إليه ابن جهور رجلا من مقرئي قرطبة يعرف بعون الله بن نوح، وعلق ابن جهور على هذه الحادثة الغريبة قائلا: "جاهل يطلب قارئا!! وعلماء يطلبون الأباطيل!!" ولما دخل الإمام أبو الحسن علي بن عبد الغني الحُصُري القيرواني (415هـ - 488هـ) الأندلس، استدعاه المنصور سكوت وابنه الحاجب العز، واستقبلاه بالحفاوة والتقدير وولياه منصب قارئ القرآن، وأفاضا عليه من كرمهما وأغنياه عن التكسب بالشعر؛ فأخرجاه - على حد تعبيره - من ظلمة الشعراء إلى نور القراء، وفرغاه لتدريس القراءات والتأليف فيها، فوجد جوا مناسبا لنشر علمه الجم، وأقبل طلبة القراءات من كل حدب وصوب على الأخذ عنه، والاستفادة منه. وكان من ثمرة مقامه في كنف هذين الحاكمين نظمه لقصيدته المشهورة الرائية في قراءة نافع، وقد أشاد في مقدمتها النثرية بهذين الحاكمين، ودعا لهما وطلب من كل من قرأها أن يدعو لهما، كما يقول: "واتبعت أصل ورش وأصل قالون في روايتيهما، وما تفرد به قالون دون ورش؛ فحافظ قصيدتي هذه يحصل على ثلاث روايات ولا يحتاج إلى درس كتـاب، ولا يعجز - إن شاء الله - عن جواب، فليـدع الله لي بالتـوبة، والعصــمة من الحـوبة، ومن الحـق الـواجب، أن يدعـو للمنصور والحاجب؛ فهما فجرا هذا النهر من بحري، واستخرجا هذا الدر من نحري، بصفحهما الجميل، وإحسانهما الجزيل، جزاهما الله حسن ثوابه، كما أجلساني لإقراء كتابه، وأخرجاني من ظلمة الشعراء، إلى نور القراء". وكان الإمام أبو الحسن الحصري أستاذا مقرئا ماهرا وعالما متفننا وأديبا حاذقا، والقصيدة الحصرية من أهم مصادر قراءة نافع، وقد نالت اهتمام قراء المشرق والمغرب، ووضعت عليها عدة شروح، وقد قرأ الإمام ابن الجزري القرآن كله بمضمنها، وذكر سنده إلى ناظمها في النشر: 1/96، واستشهد بها في عدة مواضع من النشر. وإذا كانت هذه القصيدة متنا علميا، فإن الحصري قد أضفى عليها من لمساته الفنية ما صيرها به تحفة أدبية رائعة، ويكفي مثالا على ذلك مقدمتها التي يقول فيها: إذا قلت أبياتا حسانا من الشعر=فلا قلتها في وصف وصل ولا هجر ولا مدح سلطان ولا ذم مسلم=ولا وصف خل بالوفاء أو الغدر ولكنني في ذم نفسي أقولها=كما فرطت في ما تقدم من عمري ولا بد من نظمي قوافي تحتوي=فوائد تغني القارئين عن المقري رأيت الورى في درس علم تزهدوا=فقلت: لعل النظم أحظى من النثر ولم أرهم يدرون ورشا قراءة=فكيف لهم أن يقرؤوا لأبي عمرو؟! فألزمت نفسي أن أقول قصيدة=أبث بها علمي وأجري إلى الأجر فيا رب عذر للبخيل بماله=وما لبخيل بالمسائل من عذر فجئت بها فهرية حصرية=على كل خاقانية قبلها تزري على مائتي بيت تنيف تسعة=وقد نظمت نظم الجمان على النحر وما أعطيت بين القصائد حقها=ولو كتبت بالمسك عظما عن الحبر تنوب عن الكتب الضخام لقارئ=وتسهل حفظا للمقيمين والسفر وفيها من الذكر المطهر جملة=فلا تقرها إلا وأنت على طهر
والإمام الحصري أيضا هو صاحب القصيدة المشهورة: يا ليل الصب متى غده؟!=أقيام الساعة موعده؟!
فلولا هذان الحاكمان لما كانت بين أيدينا اليوم القصيدة الحصرية. لقد رفع الله هذين الحاكمين باهتمامها بكتاب الله، وجعل لهما بذلك لسان صدق في الآخرين؛ روى مسلم أن نافع بن عبد الحارث لقي عمر بعسفان، وكان عمر يستعمله على مكة؛ فقال: من استعملت على أهل الوادي؟ فقال: ابن أبزي. قال: ومن ابن أبزي؟ قال: مولى من موالينا. قال: فاستخلفت عليهم مولى؟ قال: إنه قارئ لكتاب الله - عز وجل - وإنه عالم بالفرائض. قال عمر: أما إن نبيكم – صلى الله عليه وسلم – قد قال: إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين. وها نحن اليوم بعد نحو ألف سنة نقدر هذين الحاكمين الأميين، ونشيد بفضلهما، وندعو لهما كما طلب منا إمامنا الحصري؛ لأن الله رفعهما بكتابه، وها نحن بالمقابل نحتقر معاصريهما من الحكام العلماء الذين كانوا يطلبون الأباطيل؛ فوضعهم الله بكتابه, وإن كنا ندعو للجميع بالرحمة والمغفرة. فاعتبروا يا أولي الأبصار!
انظر حول الموضوع: - قراءة الإمام نافع عند المغاربة من رواية أبي سعيد ورش: 2/21 – تأليف: د. عبد الهادي حميتو – ط وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية. - منح الفريدة الحمصية في شرح القصيدة الحصرية - لابن عظيمة الإشبيلي – تحقيق: توفيق العبقري – ط وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية. وما يحيلان إليه من مصادر. | |
|
لمياء مشرف
عدد الرسائل : 517 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 25/11/2008
| موضوع: رد: حكام يشجعون القراءات – 1 - 2 (المنصور سكوت البرغواطي، وابنه الحاجب العز) الخميس أكتوبر 21, 2010 12:12 pm | |
| | |
|